نظرات في كتاب المسبحة
الكتاب أو المقال بلا مؤلف في المكتبة الشاملة وموضوعه هو التسبيح العددى وفى حكم ترديد التسبيح سبحان الله قال الكاتب :
"حكم عَدِّ التسبيح بالمسبحة يظهر لك فيما يأتي:
اعلم أنه ورد عن كثير من الصحابة أنه يَعُدَّ التسبيح بالحصى والنوى، وأن النبي(ص)"رأى منهم من فعل ذلك وأقرهم عليه ولم يصح فيما أعلم أنه أنكر عليهم أو نهى عنه، وتجلية ذلك فيما يلي:
عقد التسبيح باليد اليمين هو الأفضل إلا أن أهل العلم أجازوا عقده بغيرها، كالحصى والنوى، ونحو ذلك؛ فقد جاء عن الصحابة أنهم فعلوا ذلك، منهم أبو هريرة، وأبو الدرداء، وأبو سعيد، وسعد ابن أبي وقاص، وصفية أم المؤمنين، ويسيرة، وجويرة، وغيرهم فقد بوب الإمام أبو داود في سننه لحديث سعد ابن أبي وقاص، ويسيرة بنت ياسر، وعبد الله بن عمرو وابن عباس بقوله: باب التسبيح بالحصى وترجم لذلك المجد ابن تيمية في المنتقى بقوله: باب جواز عقد التسبيح باليد وعَدِّه بالنوى، ونحوه وقال الحاكم أبو عبد الله في المستدرك: باب التسبيح بالحصى (1/547)"
والروايات لا توجد فيها رواية تقول أن النبى(ص) فعل هذا الأمر والغريب أن الرواية الوحيدة التى ذكرها المقال جاءت في الفقرة التالية:
"وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وعَدُّ التسبيح بالأصابع سنة، كما قال النبي(ص)للنساء سبحن، واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسئولات مستنطقات وأما عَدُّهُ بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة من يفعل ذلك وقد رأى النبي(ص)أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك، وروي أن أبا هريرة كان يسبح به وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه، فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه وأما اتخاذه من غير حاجة، أو إظهاره للناس، مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك، فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، الأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة/مجموع الفتاوي (22/506("
السؤال الذى ينبغى طرحه :
هل يمكن لعبادة لا تتعلق بفرق جسدى بين الرجل والمرأة أن تكون مفروضة على النساء كما في الرواية المذكورة في الفقرة السابقة؟
بالقطع لا
الرواية تخالف كلام الله من حيث سؤال الأصابع فالسؤال أساسا لا يقع لأن المذكور في القرآن هو شهادة الأيدى والأرجل ككل ومنها الأصابع على الإنسان كما قال تعالى "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون"
وقد تتبع صاحب المقال تاريخ التأليف في التسبيح فقال :
"وللسيوطي جزء تتبع فيه ما ورد في السبحة من الأحاديث والآثار، وسماه: (المنحة في السبحة)، أجاز فيه التسبيح بها، وفيه يقول: الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروها
انظر الحاوي للفتاوي (2/2(وقال المناوي في فيض القدير (4/355) في شرح حديث يسيرة وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة، وكان ذلك معروفاً بين الصحابة إلى أن قال: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها، نعم محل ندب اتخاذها فيمن يعدها للذكر، والمبالغة في إخفاء ذلك أما ما ألفه الغفلة البطلة من إمساك سبحة يغلب على حباتها الزينة، وغلو الثمن، ويمسكها من غير حضور في ذلك، ولا فكر، ويتحدث ويسمع الأخبار، ويحكيها، وهو يحرك حباتها بيده، مع اشتغال قلبه، ولسانه بالأمور الدنيوية فهو مذموم مكروه من أقبح القبائح اهـ
وقال محمد خطاب السبكي في شرح حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود في السنن في كتابه: المنهل العذب المورود (8/164(
وفيه دلالة على جواز عد التسبيح بالنوى أو الحصى؛ فإنه"لم ينه المرأة عن ذلك، بل أرشدها إلى ما هو أيسر لها، وأفضل، ولو كان غير جائز ليبين لها ذلك ومثل النوى فيما ذكر السبحة إذ لا تزيد السبحة على ما في هذا الحديث إلا بنظم نحو النوى في خيط ومثل هذا لا يعد فارقاً ثم نقل عن علي العدوي أنه سئل عن السبحة ؟ فأجاب بالجواز، وقال العدوي في جوابه:والحاصل: أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد، يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة، والعجب والرياء؛ لأن ذلك محبط للعمل اهـ
وقال ابن عابدين في حاشيته (1/650) في حكايته مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة:
فرع: لا بأس باتخاذ السبحة لغير رياء، كما بسط في البحراهـ
وجاء في الموسوعة الفقهية (11/283, 284(أجاز الفقهاء التسبيح باليد والحصى، والمسابح خارج الصلاة، كَعَدِّهِ بقلبه أو بغمزه أناملَهُ اهـ
قلت: الأصل في هذا ما جاء عن الصحابة من عد التسبيح بالحصى والنوى ومن ذلك قول أم المؤمنين صفية دخل علي رسول الله(ص) وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها، فقلت: لقد سبحت بهذه ؟ فقال:
قولي سبحان الله عدد خلقه أخرجه الترمذي (5/555) رقم 3554، والطبراني في الكبير (24/75) رقم195)، وفي الدعاء (3/1585) رقم 1739، وأبو يعلى في مسنده (13/35) رقم 7118، وابن عدي في الكامل (7/2574) والحاكم في المستدرك (1/547)، والحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (1/79)من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، حدثني كنانة مولى صفية، قال: سمعت صفية تقول الحديث قال الحاكم: هذا صحيح كما في الحاوي (2/2)وقال الحافظ: هذا حديث حسن وجاء مثل ذلك بإسناد حسن عن أبي الدرداء وكذلك جاء عن أبي سعيد وعن رجل من أصحاب النبي(ص)"
الرواية السابقة تلغى التسبيح بالنوى فكثرة الترديد ليست الغرض وإنما يقال سبحان الله عدد خلقه فذلك مغنى عن آلاف المرات وهذا يلغى الكتاب من أساسه
ثم تحدث الكاتب عن الروايات الناهية عن التسبيح بالحصى فقال :
"وعن أبي هريرة وغيرهم وأما ما جاء عن أبي مسعود من النهي عن التسبيح بالحصى فقد ورد من سبع طرق، ولا يخلو طريق منها من علة قادحة، إلا أن مجموعها يدل على أن له أصلاً وعلى فرض صحتها فإنها لا تدل على النهي عن عد التسبيح بالحصى ونحوه لوجوه:
الأول: أنه علل الإنكار بإحصاء الحسنات كما جاء في حديث ابن إسماعيل: على الله تحصون، وحديث أبي موسى: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، وقوله: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم
الثاني: أن الإنكار في بعض الروايات بدون ذكر العد بالحصى، كما جاء قي طريق عطاء بن السائب، وهو من أحسن الطرق
الثالث: أن مذهب ابن مسعود في عد التسبيح الكراهة مطلقاً، قال ابن أبي شيبة في المصنف (2/391) في باب من كره عقد التسبيح: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله يكره العدد
إسناده صحيح رجاله ثقات ولا يضره إرسال إبراهيم وهو النخعي؛ لأنه جاء عن الأعمش ما يدل على صحتها فقد روى الحافظ المزني بسنده عن الأعمش أنه قال:
قلت لإبراهيم: أسند لي عن عبد الله بن مسعود ؟ فقال إبراهيم:
إذا حدثتكم عن رجل، عن عبد الله، فهو الذي سمعت، وإذا قلت:
قال عبد الله فهو عن غير واحد، عن عبد الله/تهذيب الكمال (2/239)
الرابع: أنه قد نص أهل العلم على أن المنكر في الأذكار هو الاجتماع لها مع الجهر مستدلين بأثر ابن مسعود هذا قال أبو إسحاق الشاطبي في الاعتصام (1 / 506): اعلموا أنه حيث قلنا: إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفاً لها، أو كالوصف، فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة: إما بالقصد، وإما بالعادة وإما بالشرع أما بالقصد فظاهر، بل هو أصل التشريع في المشروعات بالزيادة أو النقصان، وأما بالعادة، الهجر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان؛ فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً؛ إذ هما كالمتضادين عادة، وكالذي حكى ابن وضاح، عن الأعمش، عن بعض أصحابه، قال: مَرََّ عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه، وهو يقول: سبحوا عشراً، وهللوا عشراً فقال عبد الله: إنكم لأهدى من أصحاب محمد"أو أضل، بل هذه يعني (أضل)
وفي رواية عنه أن رجلاً كان يجمع الناس، فيقول: رحم الله من قال: كذا وكذا مرة: سبحان الله قال: فيقول القوم ويقول: رحم الله من قال: كذا وكذا مرة: الحمد لله قال: فيقول القوم قال: فمَرَّ بهم عبد الله بن مسعود فقال لهم: هُديتم مما لم يهد نبيكم ! وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة"
وانتهى الكاتب إلى التالى :
"الحاصل:
أن السلف الصالح جاء عنهم استعمال العد بالحصى والنوى، ولم يصح النهي عنه إذا تقرر هذا، فإن عد التسبيح بالمسابح مثل عده بالحصى والنوى؛ لعدم الفرق بينهما "
وما يسمى عبادة التسبيح بمعنى ترديد سبحان الله عدة مرات ليست عبادة ولم يأمر الله ولا رسوله(ص) بها لعدم وجود هدف من الترديد وهو ما عابه الله على الكفار فقال "وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية"
والتسبيح فى كتاب الله هو طاعة أحكام الله في غالبية ما ذكرفيه كما في قوله تعالى "سبح لله ما فى السموات والأرض"فكل المخلوقات تطيع أى تسجد كما قال تعالى "ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض"
والمواضع القليلة التى ذكر فيها التسبيح ذكر على أنه الصلاة كما في قوله تعالى :
"إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق والطير محشورة كل له أواب " ومعناه أنهم يقرئون الوحى في موعدى الصلاة مرة بالليل وهو العشى ومرة فى الشروق وهو النهار وهما الصلاتان المذكورتان فى قوله تعالى "ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء"
فليس المطلوب من داود(ص) أن يظل يردد سبحان الله ليلا ونهارا مع الجبال والطيور تاركا الحكم الذى أمره الله بين الناس فقال "يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله"
ومن ثم فالتسبيح بمعنى قول سبحان الله مجرد الترديد هو تضييع للوقت بلا فائدة ولو أمر الله بعبادة ترديد مكررة فستكون قراءة القرآن لأن الفائدة منها معرفة أحكام التعامل في الحياة ولكنه لم يأمر بهذا الترديد