نقد كتاب سعادة الماجد بعمارة المساجد
مؤلف الكتاب هو حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ)والذى قال فى مقدمة الكتاب :
"الحمد لله الذي جعل بـبناء المساجد قصورا لبانيها في أعلى عليين فضلا منه وترغيبا للمحسنين فقال في محكم كتابه المبين: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة: 18]."
والخطأ هنا هو أن ثواب بناء مسجد هو قصر فى الجنة وهو ما يناقض أن ثواب أى عمل مالى هو سبعمائة حسنة أو ضعفها وهو ألف وأربعمائة حسنة كمل قال تعالى :
"مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"
ثم قال فى سبب تأليف الكتاب "والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وذريته وحزبه والتابعين.
وبعد ..
فهذه سعادة الماجد بعمارة المساجد ورغبة طالب العلوم إذا غاب عن درسه في أخذه المعلوم جمعها الفقير إلى لطف الله الخفي أبو الإخلاص حسن [الوفاء] الشرنبلالي الحنفي حين ورد السؤال عن هذه الحادثة رغبة في النعمة الأبدية للأمة الوارثة وصورتها:
سؤال في وقف على مدرسة أو مسجد تخرب ولم يرج عود ذلك كما كان إما لعدم امكانه، وإما لوجه آخر من وجوه التعذرات فهل يجوز للإمام أو نائبه نقل ذلك الوقف لأقرب المساجد إليه وصرفه في وجوه الخير لذلك المسجد وإذا فعل ذلك هل يثاب على ذلك أوضحوا الجواب أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه؟"
إذا السبب هو سؤال عن مكان وقفه صاحبه ليكون مسجدا أو مدرسة وتم خرابه لسبب ما فهل يتم نقل الوقف لمسجد أخر سليم وكان جواب الرجل هو حرمة نقل الواقف وبعد هذا نقل نقولا من بطون الكتب بين فيه أن هناك رأيين :
الأول عودة الوقف لورثة الواقف
الثانى بقاء الوقف على ما وقفه صاحبه فإن مسجد ظل مسجدا ليوم القيامة
والجواب هو :
"الجواب:
الحمد لله مانح الصواب ، لا يجوز نقل أوقاف المدرسة ولا تغيير ما شرطه واقفها وكذلك المسجد على المفتى به من المذهب انتهى.
وإيضاح ذلك ودليله بما قاله العلامة الشيخ زين في البحر الرائق: قال محمد - رحمه الله -: "إذا خرب المسجد وليس له ما يعمر به وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر أو لخراب القرية أو لم يخرب لكن خربت القرية بنقل أهلها واستغنوا عنه فإنه يعود إلى ملك الواقف أو ورثته. وقال أبو يوسف هو مسجد أبدا إلى قيام الساعة لا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر سواء كانوا يصلون فيه أو لا وهو الفتوى كذا في الحاوي القدسي وفي المجتبى وأكثر المشايخ على قول أبي يوسف ورجح في فتح القدير قول أبي يوسف بأنه الأوجه"انتهى. وكذا قال الشيخ العلامة عمر بن نجيم في شرحه للكنز المسمى بالنهر انتهى.
قلت: لكن الترجيح لقول أبي يوسف ذكره في فتح القدير عند قوله: إن الوقف يلزم بمجرد القول عند أبي يوسف. وعند قوله: وإذا جعل الواقف غلة الوقف أو الولاية لنفسه جاز عند أبي يوسف لا في خصوص هذه المسألة. انتهي. وقال في النهر : وما ذكره عن محمد من جواز بيعه رواية هشام عنه ، والمذكور في السير الكبير عدم جواز بيعه انتهي، والقول بجواز البيع فرع عدم صحة وقفيته، وهو ضعيف، والصحيح الجواز، قال في خزانة المفتين : لو وقف أرضه على مسجد قوم بأعيانهم ولم يجعل آخره على المساكين على قول الكل يصح هو المختار كذا بعلامة "ظ" ثم قال في الفتاوى الكبرى: رجل وقف أرضا له على مسجد ولم يجعل آخره للمساكين المختار أنه يجوز في قولهم جميعا وإذا خرب المسجد واستغنى عنه أهلها وصار بحيث لا يصلى فيه عاد ملكا لواقفه أو لورثته حتى جاز لهم أن يبيعوه أو يبنوه دارا وقيل هو مسجد أبدا وهو الأصح فلو بنى أهل المحلة مسجدا آخر فاجتمعوا على بيع الأول ليصرفوا ثمنه إلى الثاني فإن عرف واقفه أو وارثه لم يجز لهم ذلك وان لم يعرف فالأصح أنه ليس لهم ذلك. ثم نقل عن الفتاوى الكبرى: مسجد عتيق لا يعرف بانيه خرب فاتخذ مسجد آخر ليس لأهل المسجد أن يبيعوه ويستعينوا بثمنه في مسجد آخر؛ لأنه مسجدا أبدا. انتهى وفي يتيمة الدهر سئل على بن أحمد عن مسجد خرب ومات أهله ومحلة أخرى فيها مسجد هل لأهلها أن يصرفوا وجه المسجد الخراب إلى هذا المسجد؟ قال: لا. انتهى.
وإذا علمت هذا فما ذكره في الدرر والغرر وفتاوى قاضى خان من جواز نقل المسجد إذا خرب خلاف ما عليه الفتوى وهو المذكور في الحاوي القدسي وخلاف الصحيح المذكور في خزانة المفتيين وبذلك تعلم فتوى بعض مشايخ عصرنا بما يخالف ذلك مما ذكر في القنية وغيرها بل ومن كان قبلهم كالشيخ أمين الدين محمد بن عبدالعال والشيخ الإمام أحمد بن يونس الشلبى والشيخ زين بن نجيم والشيخ محمد الوفائي فمنهم من أفتى بنقل بناء المسجد ومنهم من أفتى بنقله ونقل ماله إلى غيره من المساجد وقد مشى الشيخ الإمام محمد بن سراج الدين الحانوتي على القول المفتى به من عدم نقل بناء المسجد. فقال فيما جمع من فتواه: "لا نفتي بجواز بيع المسجد؛ لأن قول أبى يوسف رحمه الله: هو مسجد أبدا ولم يوافق أولئك المذكورين قبله لما قدمناه لك من بيان المفتى به وفتواهم مخالفة له ومخالفة لما في الهداية ونصها كما قال الكمال بن الهمام : "ولو خرب ما حول المسجد واستغنى عنه أي استغنى عن الصلاة فيه أهل تلك المحلة أو القرية إن كان في قرية فخربت وحولت مزارع تبقى مسجدا على حاله عند أبى يوسف وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ثم قال: ولو جعل خبازة وملاة ومغتسلا وقفا في محلة ومات أهلها كلهم لا يرد إلى الورثة بل يحمل إلى مكان آخر فإن صح هذا عن محمد فهو رواية في الحصر والبوادى أنها لا تعود إلى الوارث وهكذا نقل عن الشيخ الإمام الحلواني في المسجد والحوض إذا خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس عنه: أنه تصرف أوقافه إلى مسجد آخر أو حوض آخر. انتهى. فهذا المساق المصدر بصيغة نقل عن الشيخ الإمام مفيد عدم العمل بما نقل عنه لمخالفته نص الإمام الأعظم ولزوم بقاء المسجد والوقف على حاله وعلمت مبنى الخلاف في جواز النقل وعدمه وعلمت الصحيح والمفتى من غيره فلا يعدل عن قول الإمام الأعظم الذي هو كقول أبى يوسف الموصوف بأنه الفتوى إلى ما هو دونه.
وقال في البدائع: لو جعل داره مسجدا فخرب جوار المسجد واستغنى عنه لا يعود إلى ملكه ويكون مسجدا عند أبي يوسف رحمه الله، وعند محمد يعود إلى ملكه. وجه قول
محمد أنه أزال ملكه بوجه مخصوص هو التقرب إلى الله تعالى بمكان يصلى فيه الناس فإذا استغنى عنه فقد فات غرضه فيعود إلى ملكه كما لو كفن ميتا ثم أكله السبع وبقى الكفن يعود إلى ملك المكفن كذا هذا وجه قول أبي يوسف رحمه الله أنه لما جعله مسجدا فقد حرره وجعله لله تعالى خالصا على الإطلاق وصح ذلك فلا يحتمل العود إلى ملكه كالإعتاق بخلاف تكفين الميت؛ لأنه ما حرر الكفن وإنما دفع حاجة الميت به وهو ستر عورته وقد استغنى عنه فيعود ملكا له. وقوله: "أزال ملكه بوجه وقع الاستغناء عنه". قلنا: ممنوع فان المجتازين يصلون فيه وكذا احتمال عود العمارة قائم، وجهة القربة قد صحت بيقين فلا تبطل باحتمال عدم حصول المقصود. انتهى عبارة البدائع وهى تدفع قول السائل في السؤال ولم يرج عود ذلك كما كان وبهذا التوجيه يعلم الفرق بين ما ذكره في التترخانية وغيرها من جواز نقل حوض وبئر ورباط ودابة وسيف بثغر وقنديل وبساط وحصير بمسجد لغير محله وبين عدم جواز نقل مسجد ووقفه إلى غيره. وقال في البحر: "الفتوى على قول محمد رحمه الله في آلات المسجد أي إذا استغنى عنها هذا المسجد تحول لمسجد آخر، والفتوى على قول أبي يوسف في تأبيد المسجد. انتهى وإذا علمت الحكم في المسجد ووقفه وغلته ووجه عدم نقلهما فلا تنقل أوقاف على مدرسة جعلت تقوية لأهل العلم وإحياء له بصرفها لغير ذلك بطريق
الأولى ولم أر أحدا من أئمتنا قال بجواز إبطال وقف على مدرس وطلبته وجعله مصرفا لغير ذلك الوجه، فمن توهم أن حكم الوقف على مدرس كالحكم على المسجد وأجرى جواز النقل فيهما فقد غفل غفلة عظيمة بما أوهمه السائل في ذلك السؤال.
وقال العلامة المحقق شيخ الإسلام عبد البر بن الشحنة رحمهما الله تعالى في شرحه لمنظومة بن وهبان رحمه الله ما نصه:
وليس بأجر قط معلوم طالب ... فعن درسه لو غاب للعلم يعذر
ثم قال إنه نقل ما نظمه من الجزء الثاني من "التعليقة في المسائل الدقيقة" لابن الصائغ وهو بخطه قال: "وما يأخذه الفقهاء في المدارس لا أجرة لعدم شرط الإجارة و لا صدقة؛ لأن الغنى يأخذها، بل إعانة لهم على حبس أنفسهم للاشتغال حتى لو لم يحضر المدرسة بسبب اشتغال وتعليق جاز أخذهم الجامكية ولم يعزها لكتاب لكن فيما تقدم عن قاضى خان ما يشهد له حيث علل بأن الكتابة من جملة التعليم والله اعلم ".
المسألة فى وحى الله لا أصل لها وكل الكلام المنقول من بطون الكتب ليس عليه دليل من القرآن أو حتى الروايات المنسوبة للنبى (ًص) والحديث الوحيد الذى يمكن الاستدلال له فى امر الوقف هو حديث بير حاء ومن رواياته عند مسلم:
"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَى ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ ، قَالَ أَنَسٌ : فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَى ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَيْثُ شِئْتَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَخْ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ"
هذا الحديث هو الوحيد الذى يمكن الاعتماد عليه فى أمر الوقف نوعا ولكنه لا يدل على أى شىء من أمور الوقف التى اخترعها الفقهاء والقرآن منع الوقف لأن الأرض كلها ملكية مشتركة للمسلمين كمل قال تعالى :
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
ومن ثم فلا وقف فى الإسلام لأن من لا يملك أعطى من لا يستحق وحده والمفترض أن المساجد والمدارس وغيرها من المصالح العامة هى مسئولية المجتمع المسلم ككل وهذا المجتمع يكفر إذا خرب مسجد وتركوه بلا بناء فكيف يتهدم المسجد وهم يصلون فيه ويقومون بصيانته ؟
لا يمكن خرابه إلا لو حدثت كارثة كزلزال وساعتها يلزمهم إعادة البناء حتى ولو أحاطوا أرضه بحجارة أو خشب من الجوانب
إن خراب المساجد أى المصالح كما نرى لا يكون من جانب الناس وإنما من جانب الحكام الذين يأمرون بهدم المبنى الفلانى لإعادة بنائه أو لغرض فى أنفسهم لتوسيع ميدان أو بناء ما يريدون وكم من مسجد فى بلادنا حاليا أصلح مزبلة بعد هدمه وكان سليما لمجرد ان وزارة ألآثار تريد بنائه بنفس الطريقة القديمة ولكن لا توجد ميزانية لبنائه وإنما توجد ميزانية لبناء متاحف وتجميل مقابر موتى لوضع الأصنام فيها وعرض جثث الموتى وكلها محرمات