سورة الزخرف
سميت بهذا الاسم لذكر الزخرف فى قوله "ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا"
"بسم الله الرحمن الرحيم حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم "المعنى بحكم الرب النافع المفيد القرآن أى الحكم العظيم إن أنزلناه حكما واضحا علكم تطيعون وإنه فى أصل الحكم عندنا لكبير قاض ،يبين الله للناس أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن حم وفسره بأنه الكتاب المبين وهو القرآن وبيانه العظيم وهو الوحى المبين مصداق لقوله بسورة يس"وقرآن مبين "قد جعله قرآنا عربيا والمراد قد أنزله حكما مفهوما مصداق لقوله بسورة الرعد "وكذلك أنزلناه حكما عربيا "والسبب لكى يعقلون أى يطيعونه أى يشكرون مصداق لقوله بسورة المائدة "لعلكم تشكرون "وإن القرآن فى أم الكتاب وهو أصل أى السجل المدون به الحكم الكبير فى الكعبة الحقيقية أى الكتاب المكنون لعلى حكيم أى لعظيم قاض بالعدل مصداق لقوله بسورة الواقعة "إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون "والخطاب للناس.
"أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين "المعنى هل نرفع عنكم الوحى رفعا بسبب أنكم كنتم ناسا كافرين ؟يسأل الله أفنضرب عنكم الذكر صفحا والمراد هل نمنع عنكم الوحى منعا أن كنتم قوما مجرمين والمراد بسبب أنكم كنتم ناسا مجرمين مصداق لقوله بسورة الجاثية "وكنتم قوما مجرمين "والغرض من السؤال هو أن الوحى سيتم إكمال نزوله برغم كفر الناس به والخطاب للناس.
"وكم أرسلنا من نبى فى الأولين وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزءون فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين "المعنى وكم بعثنا من رسول فى السابقين وما يجيئهم من رسول إلا كانوا له يكذبون فدمرنا أعظم منهم بأسا وخلا حكم السابقين ،يسأل الله كم أرسلنا من نبى فى الأولين والمراد كم بعثنا من مبعوث بالوحى فى الأمم السابقة وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزءون والمراد وما يرسل لهم من رسول مصداق لقوله بسورة الحجر"ما يأتيهم من رسول"أى مبعوث إلا كانوا به يكذبون فأهلكنا أشد منهم بطشا والمراد فدمرنا أعظم منهم قوة مصداق لقوله بسورة الحجر"أشد منهم قوة "والغرض من السؤال إخبارنا بكثرة عدد الأمم الهالكة بسبب كفرهم برسالة الرسل رغم قوتهم وبطشهم ويبين لنا أنه مضى مثل الأولين والمراد أنه خلت سنة السابقين والمراد علم حكم الله فى الأمم السابقة وهو الهلاك مصداق لقوله بسورة الحجر"وقد خلت سنة الأولين "والخطاب للنبى(ص).
"ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذى جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون "المعنى ولئن استخبرتهم من أنشأ السموات والأرض ليجيبون أنشأهن الناصر الخبير الذى خلق لكم الأرض بساطا وخلق لكم فيها طرقا لعلكم ترشدون ،يبين الله لنبيه (ص)إنه إن سأل أى استفهم من الكفار فقال من خلق أى أنشأ أى "فطر السموات والأرض "كما قال بسورة الأنعام ليقولن أى ليجيبن :خلقهن العزيز العليم والمراد أبدعهن أى أنشأهن الناصر الخبير وهو الله وهو الذى جعل لهم الأرض مهدا والمراد الذى خلق الأرض لكم فراشا أى مكانا للحياة مصداق لقوله بسورة البقرة"الذى جعل لكم الأرض فراشا "وجعل لكم فيها سبلا والمراد وخلق لكم فيها طرقا سواء مائية أو غير مائية والسبب لعلكم تهتدون اى لعلكم ترشدون إلى ما تريدون والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده .
"والذى نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون "المعنى والذى أسقط من السحاب مطرا بحساب فأحيينا به أرض هامدة هكذا تبعثون،يبين الله لنبيه (ص)أن عليه أن يقول للناس أن الله هو الذى نزل من السماء ماء بقدر والمراد الذى أسقط من الغمام مطرا بحساب محدد فأنشر به بلدة ميتا والمراد فأحيا به قرية هامدة مصداق لقوله بسورة ق"وأحيينا به بلدة ميتا "وكذلك تخرجون والمراد وعن طريق الماء تبعثون للحياة مرة أخرى .
"والذى خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون "المعنى والذى أنشأ الأنواع جميعها وخلق لكم من السفن والأنعام ما تستوون لتنتقلوا على سطوحه ثم تعلموا هبة إلهكم إذا ركبتم عليه وتقولوا الطاعة لحكم الذى خلق لنا هذا وما كنا له مصلحين وإنا إلى إلهنا لعائدون ،يبين الله لنبيه (ص)والناس أن الله هو الذى خلق الأزواج كلها والمراد الذى أنشأ أفراد الأنواع كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون والمراد وخلق لكم من السفن والأنعام ما تستوون عليه وهذا يعنى أن بعض الأنعام هى التى تركب لكبر حجمها وهى الإبل والبقر أحيانا والسبب فى خلقها أن يستوى الناس على ظهورها والمراد أن يركب الناس على سطوحها ويتذكروا نعمة الرب إذا استووا عليها والمراد ويعلموا رحمة الله بهم إذا ركبوا على سطوحها حيث توفر المشقة والتعب وتقولوا :سبحان الذى سخر لنا هذا والمراد الطاعة لحكم الله الذى خلق لنا هذه الأشياء وما كنا له مقرنين أى خالقين والمراد مصلحين مهيئين لنفعنا ،وإنا إلى ربنا لمنقبلون أى وإنا إلى جزاء خالقنا عائدون فى المستقبل وهذا يعنى وجوب قولنا عند ركوب الفلك أو الأنعام سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .
"وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين "المعنى وخلقوا له من خلقه أولادا إن الفرد لمكذب عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار جعلوا له من عباده جزءا والمراد خرقوا أى اخترعوا لله من خلقه بنين وبنات مصداق لقوله بسورة الأنعام"وخرقوا له بنين وبنات "والإنسان وهو الفرد كفور مبين أى ظلوم عظيم مصداق لقوله بسورة إبراهيم"إن الإنسان لظلوم "والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما قبله منه للناس .
"أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين "المعنى هل اصطفى مما يبدع إناث وخصكم بالصبيان ،يسأل الله أم اتخذ مما يخلق بنات والمراد هل اختار مما ينشىء إناث وأصفاكم بالبنين والمراد وخصكم بالصبيان ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الله لم يختص الناس بالبنين ولم يتخذ لنفسه البنات فى أى وحى والخطاب للنبى(ص) ومنه للناس.
"وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم "المعنى وإذا أخبر أحدهم بما قال للنافع ولدا استمرت نفسه ذليلة وهو مانع ،يبين الله أن الكفار إذا بشر أحدهم والمراد إذا أخبر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا والمراد بالذى قال للنافع وهو الله ولدا وهو الأنثى مصداق لقوله بسورة النحل"وإذا بشر أحدهم بالأنثى "ظل وجهه مسودا والمراد استمرت نفسه ذليلة أى حزينة وهو كظيم أى مانع للغضب من الظهور أمام الناس منعا والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"أو من ينشؤا فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين "المعنى أو من يخلق فى البطن وهو فى الكفر غير عظيم ،يسأل الله أو من ينشؤا فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين أى هل يكفر من يخلق فى البطن مصداق لقوله بسورة النحل"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم "وهو فى الخصام غير مبين أى فى الكفر غير كبير والمراد لا يعلم الكفر لقوله فى بقية قول سورة النحل"لا تعلمون شيئا "؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الإنسان يكفر بعد أن يكون غير كافر فى بطن أمه حيث يخرج غير عارف للكفر والإسلام .
"وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون "المعنى وقالوا الملائكة الذين هم خلق النافع بناتا ،أحضروا إبداعهم ؟سيسجل قولهم ويحاسبون ،يبين الله أن الكفار جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا والمراد قالوا أن الملائكة الذين هم خلق النافع بناتا وهذا يعنى أنهم جعلوا الملائكة بنات الله،ويسأل الله أشهدوا خلقهم والمراد هل حضروا إنشائهم ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا بجهل الكفار حيث لم يحضروا خلق الله للملائكة حتى يعرفوا أنهم بنات،ويبين أن شهادتهم وهو قولهم ستكتب أى ستسجل فى صحفهم المنشرة ويسئلون والمراد ويعاقبون على فريتهم مصداق لقوله بسورة النحل"لتسئلن عما كنتم تفترون "والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون "المعنى وقالوا لو أراد النافع ما أطعناهم ما لهم بذلك من وحى إن هم إلا يفترون ،يبين الله أن الكفار قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم والمراد لو أراد النافع ما اتبعنا الأرباب وهذا يعنى أن الله شاء شركهم مصداق لقوله بسورة الأنعام"لو شاء الله ما أشركنا "وهم ما لهم بذلك وهو التخريف فى القول السابق من علم أى وحى أباح الله فيه عبادة غيره ويبين لنا أنهم يخرصون أى يظنون أى يفترون على الله مصداق لقوله بسورة الجاثية "إن هم إلا يظنون".
"أم أتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون"المعنى هل أوحينا لهم وحيا من قبله فهم له مطيعون ،يسأل الله أم أتيناهم كتابا فهم به مستمسكون والمراد هل أعطينا لهم وحيا من قبل القرآن فهم له متبعون؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الله لم يوح لهم وحيا يبيح فيه عبادة غيره من قبل نزول القرآن والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون "المعنى لقد قالوا إنا لقينا آباءنا على دين وإنا على أحكامهم مهتدون ،يبين الله أن الكفار قالوا فى عبادتهم للملائكة وغيرها كما يزعمون :إنا وجدنا آباءنا على أمة والمراد إنا لقينا أى ألفينا آباءنا على دين وإنا على آثارهم مهتدون أى مقتدون والمراد وإنا على أحكامهم سائرون وهذا يعنى أنهم أخذوا هذا عن دين الأباء الذين هم لأحكامهم متبعون .
"وكذلك ما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"المعنى وهكذا ما بعثنا فى بلدة من رسول إلا قال أكابرها إنا لقينا آباءنا على دين وإنا على أحكامهم سائرون،يبين الله أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى إبلاغ الوحى ما أرسلنا فى قرية من نذير والمراد ما بعثنا فى بلدة من نبى أى مبلغ للوحى مصداق لقوله بسورة الأعراف"ما أرسلنا فى قرية من نبى "إلا قال مترفوها وهم أغنياؤها:إنا وجدنا آباءنا على أمة أى ألفينا آباءنا على دين مصداق لقوله بسورة البقرة "ألفينا عليه آباءنا "وإنا على آثارهم مقتدون والمراد وإنا على أحكام دينهم مهتدون أى سائرون والخطاب وما بعده للنبى(ص) ومنه للناس.
"قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين"المعنى قل أو لو أتيتكم بأعدل من الذى لقيتم عليه آباءكم قالوا إنا بما بعثتم به مكذبون فانتصرنا عليهم فاعلم كيف كان جزاء الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم والمراد هل لو أتيتكم بأفضل مما ألفيتم عليه آباءكم تتبعونه ؟ فكان ردهم هو إنا بما أرسلتم به كافرون والمراد إنا بالذى بعثتم به مكذبون،وهذا يعنى كفرهم بالدين الأفضل ،فانتقم الله منهم وهم كفار الأمم السابقة والمراد فغضب الله عليهم فعاقبهم بالهلاك ويطلب الله منهم أن ينظر كيف كان عاقبة المكذبين والمراد أن يعلم كيف كان جزاء المجرمين وهو الهلاك مصداق لقوله بسورة الأعراف"فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ".
"وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون "المعنى ولقد قال إبراهيم (ص)لوالده وشعبه :إننى تارك للذى تطيعون إلا الذى خلقنى فهو سيعلمنى وجعلها قولة مستمرة فى نفسه لعلهم يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن إبراهيم (ص) قال لأبيه وهو والده وقومه وهم شعبه :إننى براء مما تعبدون والمراد إننى معتزل لما تطيعون إلا الذى فطرنى أى خلقنى مصداق لقوله بسورة مريم"وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربى " فهو سيهدين أى سيعرفنى الدين الحق وهذا يعنى أنه ترك طاعة أديانهم عدا دين الله الذى سيعلمه الله إياه ،وجعلها كلمة باقية فى عقبه والمراد جعلها قولة مستمرة فى نفسه وهذا يعنى أنه عمل بالكلمة طوال وقت وجودهم والسبب أن يرجعون والمراد أن يعودوا إلى دين الله ويتركوا دين الأباء والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون "المعنى لقد أعطيت هؤلاء وآباءهم حتى أتاهم الوحى ومبلغ أمين ولما أتاهم الوحى قالوا هذا خداع وإنا له مكذبون،يبين الله لنبيه (ص)أنه متع هؤلاء وآباءهم والمراد أعطى الناس فى عهده وآباءهم اللذات فى الدنيا حتى جاءهم الحق والمراد حتى أتاهم العدل ممثلا فى الوحى ورسول مبين أى مع مبلغ أمين للوحى ،ولما جاءهم الحق والمراد ولما أتاهم العدل وهو الوحى قالوا :هذا سحر والمراد هذا خداع أى كذب وإنا به كافرون والمراد وإنا له مكذبون والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "المعنى وقالوا هلا أوحى هذا الكتاب إلى ذكر من البلدتين كبير ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا :لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم والمراد هلا أوحى هذا الوحى إلى إنسان من البلدتين كبير ،وهذا يعنى أنهم يرون أن رئيس مكة ورئيس البلدة الثانية أولى من محمد(ص)بنزول الوحى عليهما لأنهما كبار عظام أغنياء وأما هو فلا لفقره وصغر شأنه فى نظرهم .
"أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون "المعنى أهم يوزعون رزق خالقك نحن وزعنا بينهم رزقهم فى المعيشة الأولى وزدنا بعضهم على بعض عطايا ليجعل بعضهم بعضا أضحوكة وجنة خالقك أفضل مما يتمتعون ،يسأل الله أهم يقسمون رحمة ربك والمراد هل هم يوزعون خير إلهك؟والغرض من السؤال هو إخباره أن الكفار لا يوزعون رحمة الله بأهوائهم ،ويبين له أن الله قسم بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا والمراد أن الله وزع بينهم رزقهم فى المعيشة الأولى وفسر هذا بأنه رفع بعضهم فوق بعض درجات والمراد وزاد بعضهم على بعض فى مقدار العطايا والسبب أن يتخذ بعضهم بعضا سخريا والمراد أن يجعل بعضهم بعضا أضحوكة أى أهزوءة ويبين له أن رحمة ربه خير مما يجمعون والمراد أن رزق وهى جنة خالقه أحسن مما يتمتعون به فى الدنيا مصداق لقوله بسورة طه"ورزق ربك خير وأبقى "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين "المعنى ولولا أن يصبح للخلق جماعة واحدة لجعلنا لمن يكذب بالنافع لمساكنهم سطوحا من فضة وسلالم عليها يصعدون ولمساكنهم منافذا وفرش عليها يرقدون وزينة وإن كل ذلك لما نفع الحياة الأولى والجنة لدى إلهك للمطيعين،يبين الله لنبيه (ص)أن لولا أن يكون الناس أمة واحدة والمراد أن لولا أن يصبح الخلق جماعة ذات دين واحد لجعل الله لمن يكفر بالرحمن والمراد لخلق الله لمن يكذب بدين النافع وهو الله التالى :بيوت أى مساكن لها سقف من فضة أى سطوحها الموجودة على الجدران من معدن الفضة وهو اللجين ،ولها معارج عليها يصعدون والمراد ولها سلالم عليها يصعدون على السطح ،ولها أبوابا أى منافذا للخروج والدخول وسررا أى وفرشا عليها يتكئون أى يرتاحون وكل هذا من الفضة وزخرفا أى وزينة أى ذهب وهذا يعنى أن الله يجعل بيوت الكافر من الذهب والفضة وكل ذلك هو متاع الحياة الدنيا والمراد نفع المعيشة الأولى وأما أجر الآخرة والمراد الجنة عند الرب أى لدى الإله فهى للمتقين أى للمطيعين لحكم الله وهم المؤمنين مصداق لقوله بسورة يوسف"ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا ".
"ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون "المعنى ومن يعرض عن طاعة النافع نسخر له هوى فهو صاحب له وإنهم ليردونهم عن الحق ويظنون أنهم مرحومون ،يبين الله لنبيه (ص)أن من يعش عن ذكر الرحمن والمراد أن من يعرض عن طاعة حكم النافع وهو الله يقيض الله له شيطانا فهو له قرين والمراد يخلق الله له هوى فهو له صاحب وهذا الهوى هو إعراضه عن الذكر فالله شاءه لأن الكافر شاءه فى نفس الوقت مصداق لقوله بسورة الإنسان "وما تشاءون إلا أن يشاء الله "ويبين له أن الشياطين وهى الأهواء أى الشهوات يصدونهم عن السبيل أى يردونهم عن الحق وهو ذكر الله مصداق لقوله بسورة المائدة"ويصدكم عن ذكر الله"وهم يحسبون أنهم مهتدون والمراد وهم يظنون أنهم راشدون أى محسنون صنعا مصداق لقوله بسورة الكهف"وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"حتى إذا جاءنا قال يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون "المعنى حتى إذا أتانا قال يا ليت بينى وبينك بعد المنيرين فساء الصاحب ولن يفيدكم الآن إذ كفرتم أنكم فى العقاب مجموعون،يبين الله لنبيه (ص)أن الكافر إذا جاء والمراد إذا أتى لجزاء الله بعد موته قال للقرين :يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين وهى المسافة بين المنيرين أى الشمس والقمر فبئس القرين أى فقبح الصاحب أى العشير مصداق لقوله بسورة الحج"وبئس العشير"،ويقال للكفار:لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم والمراد لن يفيدكم الآن إذ كفرتم أنكم فى العذاب مشتركون أى أنكم فى العقاب وهو النار موجودون ،والغرض من القول هو إخبار الكفار أنهم لوا اتحدوا هم والقرناء فلن يفيدهم الإتحاد بشىء وهو الخروج من العذاب.
"أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبين "المعنى هل أنت تبلغ الكفار أى ترشد الظلمة أى من كان فى كفر عظيم ؟يسأل الله نبيه (ص)أفأنت تسمع الصم والمراد هل تبلغ الكفار الدعاء وفسر هذا بقوله أو تهدى العمى والمراد هل أنت ترشد الظالمين للحق وفسرهم بأنهم من كانوا فى ضلال مبين أى فى كفر عظيم ؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)أنه لا يقدر على هداية الكفار مهما فعل .
"فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذى وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون فاستمسك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون "المعنى فإما نتوفينك فإنا لهم معاقبون أو نشهدك الذى أخبرناك فإنا عليهم قادرون فأطع الذى ألقى لك إنك على دين عادل وإنه لهدى لك ولأهلك وسوف تحاسبون،يبين الله لنبيه (ص)أنه إما يذهبن به والمراد إما يتوفاه مصداق لقوله بسورة يونس"أو نتوفينك"أى يميته وفى تلك الحال فإنا منهم منتقمون والمراد فإنا لهم معذبون فى الدنيا والآخرة أو نرينك الذى وعدناهم والمراد أو نشهدك الذى أخبرناهم وهو العذاب الدنيوى فإنا عليهم مقتدرون والمراد فإنا لهم منزلون العذاب حتى تراه ،فاستمسك بالذى أوحى إليك أى أطع أى اتبع الذى ألقى لك من ربك مصداق لقوله بسورة الأنعام"اتبع ما أوحى إليك من ربك"،إنك على صراط مستقيم أى إنك على دين عادل أى إنك على خلق عظيم أى هدى مستقيم مصداق لقوله بسورة القلم "إنك على خلق عظيم "وقوله بسورة الحج"إنك على هدى مستقيم "وإنه لذكر لك ولقومك والمراد وإنه لحكم لك ولشعبك حتى تتبعوه وسوف تسئلون والمراد وسوف تحاسبون على طاعته خيرا وعلى عصيانه شرا .
"وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون "المعنى واستخبر من بعثنا من قبلك من مبعوثينا أشرعنا من سوى الرب أرباب يطاعون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل من أرسل من رسله من قبله والمراد أن يستخبر من بعث الله من كتب من قبله وهذا يعنى أن يعلم من الكتب السابقة وهى المحفوظة فى اللوح المحفوظ فى الكعبة الحقيقية إجابة السؤال التالى أجعل الله من دون الرحمن آلهة يعبدون والمراد هل جعل الله من سوى الله النافع أرباب يطاعون؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص)أن الكتب السابقة التى أتى بها الرسل السابقون ليس فيها نص واحد يبيح عبادة غير الله والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص) ومنه للناس.
"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فقال إنى رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون وما نريهم من آية إلا هى أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون "المعنى ولقد بعثنا موسى (ص)بعلاماتنا إلى فرعون وشعبه فقال إنى مبعوث إله الكل فلما أتاهم بعلاماتنا إذا هم منها يسخرون وما نشهدهم من معجزة إلا هى أعظم من مشابهتها وعاملناهم بالعقاب لعلهم يتوبون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل أى بعث موسى (ص)مصداق لقوله بسورة الأعراف"ثم بعثنا من بعدهم موسى "بآياتنا وهى علاماتنا أى معجزاتنا إلى فرعون وملائه أى وشعبه فقال لهم :إنى رسول رب العالمين والمراد إنى مبعوث من خالق الكل فكان رد فعلهم أنهم منها يضحكون والمراد منها يسخرون أى بها يكذبون،ويبين له أنه ما يريهم من آية إلا هى أكبر من أختها والمراد ما يشهدهم من معجزة إلا هى أعظم من سابقتها ويبين له أنه أخذهم بالعذاب والمراد عاملهم بالضرر والسبب لعلهم يرجعون والمراد لعلهم يتوبون أى يعودون إلى دين الله .
"وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ونادى فرعون قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذى هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقرنين " المعنى وقالوا يا أيها المخادع اطلب لنا من إلهك بما قال لك إننا لمؤمنون فلما أبعدنا عنهم العقاب إذا هم ينقضون وخطب فرعون فى شعبه قال يا شعبى أليس لى حكم مصر وهذه العيون تسير من أسفلى أفلا ترون؟ هل أنا أفضل من هذا الذى هو ذليل ولا يهم يفصح فهلا أعطيت له حلية من ذهب أو أتى معه الملائكة مصاحبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن قوم فرعون قالوا لموسى (ص)يا أيه الساحر أى الماكر المخادع ادع لنا ربك والمراد اطلب لنا من إلهك يزيل الرجز وهو العذاب بما عهد عندك والمراد بما قال لك لإزالة العذاب إننا لمهتدون أى لمؤمنون برسالتك مصداق لقوله بسورة الأعراف"ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك"،فدعا موسى (ص)فكشفنا عنهم العذاب والمراد فرفعنا عنهم العقاب فإذا هم ينكثون أى يخالفون قولهم بالإيمان برسالة موسى (ص) ونادى فرعون قومه والمراد وخطب فرعون فى شعبه فقال لهم :أليس لى ملك أى حكم مصر وهذه الأنهار وهى مجارى المياه تجرى من تحتى والمراد تسير من أسفل أرضى أفلا تبصرون أى أفلا تفهمون ؟أم أنا خير من هذا الذى هو مهين والمراد هل أنا أحسن من هذا الذى هو ذليل ولا يكاد يبين والمراد ولا يهم يتكلم صوابا ؟والغرض من الأسئلة هو إخبار القوم أنه أفضل من موسى (ص)فهو مالك مصر وأما موسى (ص)فذليل أى عبد له فى رأيه وهو معيب لأنه لا يتكلم كلاما سليما لوجود عيب فى نطقه،وقال لهم فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب والمراد فهلا أتى معه كنز من ذهب أو جاء معه الملائكة مقرنين والمراد أو أتى له الملائكة مصاحبين ،وهذا يعنى أنه يطلب معجزات أخرى ليصدق موسى (ص)وهى إما وجود الأسورة وهى الكنز الذهبى وإما ظهور الملائكة فى صحبته وهى طلبات الغرض منها
إعلان عدم الإيمان بالمعجزات السابقة .
"فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما أسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهما سلفا ومثلا للأخرين "المعنى فأضل شعبه فاتبعوه إنهم كانوا شعبا كافرين فلما عصونا انتصرنا منهم فأهلكناهم كلهم وجعلناهم حديثا وعبرة للأخرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون استخف قومه والمراد أضل شعبه فكانت النتيجة أن أطاعوه أى اتبعوا حكمه إنهم كانوا قوما فاسقين أى كانوا شعبا مجرمين مصداق لقوله بسورة الأعراف"وكانوا قوما مجرمين "فلما أسفونا والمراد فلما خالفوا حكم الله انتقم منهم أى انتصر عليهم أى أغرقهم أى أهلكهم جميعا فى الماء وجعلهم سلفا أى مثلا أى عبرة أى قصة بها العظة للأخرين وهم الأتين فى المستقبل بعدهم .
"ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون "المعنى ولما قيل ولد مريم (ص)عبرة إذا ناسك به يكذبون وقالوا أأربابنا أفضل أم هو،ما قالوه لك إلا خصاما ،إنما هم ناس كافرون،يبين الله لنبيه (ص)أن الله لما ضرب ابن مريم (ص)مثلا والمراد لما قال قصة ولد مريم (ص) عبرة للناس إذا القوم منه يصدون والمراد إذا الناس به يكذبون وقالوا :أألهتنا خير أم هو والمراد هل أربابنا أحسن أم هو ؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص) أن آلهتهم خير من عيسى (ص) الذى يظنون أنه يدعوهم لعبادته وإنما ذكرت قصته للعبرة وليس لعبادته ويبين له أنهم ما ضربوه له إلا جدلا والمراد ما قالوا له فى عيسى (ص) إلا حجاج بالباطل ويبين له أنهم قوم خصمون أى ناس كافرون أى مكذبون بحكم الله .
"إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسرائيل "المعنى إن هو إلا مملوك مننا عليه وجعلناه آية لأولاد إسرائيل،يبين الله لنبيه (ص)أن عيسى (ص)هو عبد أى مملوك لله أنعم الله عليه والمراد من الله عليه أى أعطاه الكثير من النعم وجعله مثلا لبنى إسرائيل والمراد وخلقه آية أى معجزة لهداية أولاد يعقوب (ص)مصداق لقوله بسورة مريم"ولنجعله آية للناس "والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة فى الأرض يخلفون وإنه لعلم الساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين"المعنى ولو نريد لخلقنا منكم ملائكة فى البلاد يعيشون وإنه لمعرفة القيامة فلا تكذبون بها وأطيعون هذا دين عادل ولا يردنكم الهوى إنه لكم كاره عظيم ،يبين الله للناس أنه لو يشاء لجعل منهم ملائكة فى الأرض يخلفون والمراد أنه لو يريد لخلق من البشر ملائكة فى الأرض يعيشون وهذا يعنى أنه لم يرد تحويل بعض البشر لملائكة يعيشون فى الأرض ،ويبين لنبيه (ص)إنه علم الساعة والمراد إن نزول الملائكة فى القيامة الأرض هو حادث أى علامة حدوث القيامة مصداق لقوله بسورة الفرقان "يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين"ويطلب منه ألا يمترن بها والمراد ألا يكذب بالقيامة ويطلب من الناس فيقول :واتبعون هذا صراط مستقيم والمراد وأطيعون مصداق لقوله بسورة الزخرف"وأطيعون"هذا دين عادل أى هدى سليم مصداق لقوله بسورة الحج"هدى مستقيم " ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين والمراد ولا يردنكم الهوى عن طاعة دينى إنه لكم كاره عظيم والخطاب للناس.
"ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم "المعنى ولما أتى عيسى (ص)بالآيات قال قد أتيتكم بالوحى ولأظهر لكم بعض الذى فيه تتنازعون فأطيعوا الرب أى اتبعون،إن الله إلهى وإلهكم فأطيعوه هذا دين عادل ،يبين الله لنبيه (ص)أن عيسى (ص)لما جاء بالبينات والمراد لما أتى بالآيات وهى المعجزات والأحكام قال للقوم :قد جئتكم بالحكمة والمراد قد أتيتكم بالحكم وهو وحى الله ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه والمراد ولأوضح لكم حكم الحق فى بعض الذى فيه تتنازعون،وهذا يعنى أنه أتى لإنهاء الخلاف بين بنى إسرائيل فى بعض القضايا،وقال :فاتقوا الله أى فأطيعوا حكم الله وفسر هذا بقوله وأطيعون أى اتبعوا الحكم المنزل على ،إن الله ربى وربكم والمراد إن الله خالقى وخالقكم فاعبدوه أى فأطيعوا حكم الله فهذا هو الصراط المستقيم أى الدين العادل لأن عبادة الله هى الدين الحق .
"فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "المعنى فتنازعت الفرق فيما بينها فالألم للذين كفروا من عقاب يوم شديد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأحزاب وهى الفرق اختلفوا من بينهم والمراد كذبوا فيما بينهم بدين الله فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم والمراد فالألم للذين كفروا من مشهد أى عقاب يوم عظيم مصداق لقوله بسورة مريم"فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم "والخطاب وما قبله وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون "المعنى هل يترقبون إلا القيامة أن تجيئهم فجأة وهم لا يعلمون ،يسأل الله هل ينظرون إلا الساعة والمراد هل يتربصون إلا صيحة واحدة هى القيامة مصداق لقوله بسورة يس"ما ينظرون إلا صيحة واحدة"أن تأتيهم بغتة والمراد أن تصيبهم فجأة وهم لا يشعرون والمراد وهم لا يعرفون بمجيئها .
"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون "المعنى الأصدقاء بعضهم لبعض كاره إلا المسلمين ،يا خلقى لا عقاب لكم ولا أنتم تعذبون،يبين الله لنبيه (ص)أن الأخلاء وهم الأصحاب فى الدنيا فى يوم القيامة بعضهم لبعض عدو أى كاره باغض إلا المتقين وهم المطيعين لحكم الله فهم أحباء،ويقال للمتقين :يا عباد أى يا خلقى لا خوف عليكم والمراد لا عقاب لكم وفسر هذا بقولهم ولا أنتم تحزنون والمراد ولا أنتم تعاقبون أى لستم تغتمون بسبب العذاب .
"الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون "المعنى الذين صدقوا بأحكامنا وكانوا مطيعين اسكنوا الحديقة أنتم ونساؤكم تسعدون يدار عليهم بأطباق من ذهب وكئوس وفيها ما تريده النفوس أى ما ترغبه الأنفس وأنتم فيها باقون وتلك الحديقة ملكتموها بما كنتم تحسنون لكم فيها متاع مستمر به تتمتعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن المتقين هم الذين آمنوا أى صدقوا بحكم الله وكانوا مسلمين أى مطيعين لحكم الله وتقول لهم الملائكة :ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون والمراد اسكنوا الحديقة أنتم ونساؤكم تفرحون ولما سكنوها يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب والمراد يدور عليهم غلمان بأطباق وكئوس من الذهب فيها الطعام والشراب مصداق لقوله بسورة الواقعة "يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين "وفى الجنة ما تشتهيه الأنفس وفسر هذا بأنه ما تلذه الأعين والمراد فى الجنة ما ترغبه النفوس أى تسعد به النفوس ويقال لهم أنتم فيها خالدون أى ماكثون أى مقيمون مصداق لقوله بسورة الكهف"ماكثين فيها أبدا"وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون والمراد وتلك الحديقة ملكتموها بالذى كنتم تطيعون حكم الله لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون والمراد لكم فيها متاع دائم به تتمتعون وهذا يعنى أن البقاء والمتاع مستمر لا نهاية له .
"إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون "المعنى إن الكافرين فى ألم النار باقون لا يخفف عنهم وهم فيه معذبون وما نقصناهم ولكن كانوا هم الناقصين ودعوا يا مالك لينهى علينا إلهك قال إنكم باقون لقد أتيناكم بالصدق ولكن أغلبهم للصدق باغضون ،يبين الله لنبيه (ص)أن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون والمراد أن الكافرين فى عقاب النار مقيمون مصداق لقوله بسورة البقرة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "والعذاب لا يفتر عنهم أى لا يرفع أى لا يخفف عنهم مصداق لقوله بسورة البقرة "لا يخفف عنهم العذاب"وهم فيها مبلسون أى محضرون أى معذبون مصداق لقوله بسورة سبأ"أولئك فى العذاب محضرون "ويبين الله أنه ما ظلمهم والمراد ما نقصهم من حقهم شيئا وإنهم كانوا هم الظالمين والمراد المنقصين لحقهم بكفرهم وهذا يعنى أنهم الهالكين الخاسرين ونادوا والمراد ودعوا فقالوا :يا مالك وهو رئيس زبانية النار :ليقض علينا ربك والمراد لينهى علينا خالقك والمراد أنهم يريدون القضاء على حياتهم نهائيا بحيث لا يعودون إلى أى حياة فقال لهم مالك :إنكم ماكثون أى مقيمون والمراد أحياء بلا موت ويقال لهم لقد جئناكم بالحق أى لقد أتيناكم بكتاب أى حكم الله مصداق لقوله بسورة الأعراف"ولقد جئناهم بكتاب "ولكن أكثركم للحق كارهون والمراد ولكن أغلبهم للكتاب وهو العدل باغضون أى مكذبون والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون إنا لا نسمع سرهم ونجواهم بل ورسلنا لديهم يكتبون "المعنى هل دبروا كيدا فإنا كائدون ؟أم يظنون إنا لا نعلم خفيهم وسرهم بلى ومبعوثينا عندهم يسجلون ،يسأل الله أم أبرموا أمرا والمراد هل عقدوا اتفاقا ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار دبروا مكيدة للقضاء على الإسلام والله مبرم أى مدبر لمكيدة تفسد مكيدة الكفار،ويسأل أم يحسبون إنا لا نسمع سرهم ونجواهم والمراد هل يعتقدون إنا لا نعرف نيتهم و تحدثهم الخافت ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار يظنون أن الله لا يعرف نيتهم وكلامهم الخافت مع بعضهم ولذا كانوا يكفرون ،ويبين لنا أن رسل الله وهم كتبة الرب لديهم يكتبون والمراد فهم يسجلون أعمالهم فكل عضو به جهاز تسجيل لما يعلمه صاحبه به ومع الرقيب العتيد .
"قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون "المعنى قل إن كان للنافع أولاد فأنا أسبق المطيعين لهم ،علا إله السموات والأرض إله الملك عما يشركون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :إن كان للرحمن أولاد والمراد إن كان للنافع أبناء فأنا أول العابدين أى المطيعين لهم أى المؤمنين بهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"أول المؤمنين "وهو رد على الأقوام التى تدعى أن لله أولاد مثل النصارى واليهود وغيرهم باستحالة ذلك فلو كان لله ولد بالفعل لاستحق العبادة كأبيه لكونه إله لأن الابن من نفس نوعية الأب ،سبحان رب والمراد تعالى إله السموات والأرض أى رب العرش أى رب الكون وهو الملك عما يصفون أى عن الذى يشركون مصداق لقوله بسورة النحل"وتعالى عما يشركون "وهذا يعنى أن الله أفضل من الآلهة المزعومة لكونه الإله وحده وهم ليسوا آلهة والخطاب للنبى(ص).
"فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون "المعنى فدعهم يكفروا أى يلهوا حتى يقابلوا يومهم الذى يخبرون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يذر أى يدع أى أن يترك الكفار يخوضوا وفسرها بقوله يلعبوا أى يكفروا أى يتمتعوا بالحياة الدنيا مصداق لقوله بسورة الحجر"ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل"حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون والمراد حتى يحضروا يومهم الذى يخبرون أى يصعقون مصداق لقوله بسورة الطور"حتى يلاقوا يومهم الذى فيه يصعقون "والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله وهو الحكيم العليم "المعنى وهو الذى فى السماء رب وفى الأرض رب وهو القاضى الخبير ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله إله أى رب من فى السماء وإله أى ورب من فى الأرض من الخلق وهو الحكيم العليم أى القاضى بالعدل الخبير بكل شىء .
"وتبارك الذى له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون "المعنى ودام الذى له حكم السموات والأرض والذى وسطهما ولديه معرفة القيامة وإليه تعودون ،يبين الله للناس أن تبارك والمراد دام جزاء الذى له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة آل عمران وما بينهما وهو الجو الذى وسطهما ،والله عنده علم الساعة والمراد لديه معرفة موعد القيامة وحده وإليه ترجعون أى تحشرون والمراد وإلى جزاء الله تقلبون مصداق لقوله بسورة العنكبوت"وإليه تقلبون" والخطاب للناس.
"ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم لا يعلمون "المعنى ولا يقدر الذين يطاعون من سواه الحديث إلا من قال العدل وهم لا يعرفون ،يبين الله لنبيه (ص)أن لا يملك الذين يدعون من دون الله الشفاعة والمراد أن لا يستطيع الذين يعبدهم الكفار من سوى الله الكلام يوم القيامة إلا من شهد بالحق والمراد إلا من قال الصواب مصداق لقوله بسورة النبأ"لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا "والكفار لا يعلمون أى لا يؤمنون بحكم الله والخطاب وما بعده النبى(ص) .
"ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون "المعنى ولئن استخبرتهم من أنشأهم ليجيبن الله وقيله يا إلهى هؤلاء قوم لا يصدقون فاعفو عنهم وقل خير فسوف يعرفون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن سأل أى استفهم الكفار فقال :من خلقهم أى أبدعهم ؟فسوف يقولوا الله هو الخالق ،ويسأل الله فأنى يؤفكون والمراد فكيف يكفرون ؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)أن الكفار كفروا رغم علمهم بالحق وليس غفلة منهم ،ويبين لنا أن النبى (ص)قال يا رب أى يا خالقى إن هؤلاء قوم لا يؤمنون والمراد ناس لا يصدقون بحكمك فاصفح عنهم والمراد يا محمد(ص)اعفوا عنهم أى اترك طاعتهم وقل سلام والمراد تحدث خيرا وهو الوحى فسوف يعلمون أى يعرفون "من يأتيه عذاب يخزيه "كما قال بسورة هود والخطاب للنبى(ص)عدا وقيله .. لا يؤمنون فهو للمؤمنين