قراءة فى كتاب إبطال أدلة فناء النار
الكتاب هو تأليف محمد بن إسماعيل الصنعاني وهو يتناول بالنقد ما ورد من آثار نسبت للنبى(ص) أو للصحابة وهى آثار قليلة العدد وقد تناول الرجل الآثار وهى ثلاثة بالنقد من خلال نقد الرجال والتعارض مع المصحف ومع أحاديث أخرى ونذكر هنا تناوله للآثار وهى :
الأثر الأول :
"ساق بسنده إلى الحسن البصري أنه قال قال عمر لو لبث أهل النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وفي رواية عدد رمل عالج قال ابن تيمية والحسن وإن لم يسمع من عمر فلو لم يصح عنده عن عمر لم يجزم به انتهى كلامه وأقول فيه شيئان الأول من حيث الرواية فإنه منقطع لنص شيخ الإسلام بأنه لم يسمعه الحسن من عمر واعتذاره بأنه لو لم يصح للحسن عن عمر لما جزم به يلزم أن يجري في كل مقطوع يجزم به روايه ولا يقول هذا أئمة الحديث كما عرفت في قواعد أصول الحديث بل الانقطاع عندهم علة والجزم معه تدليس وهو علة أخرى ولا يقوم بمثل ذلك الاستدلال في مسألة فرعية كيف في مسألة قيل أنها أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة
الأثر الثانى:
رواه على ابن أبي طلحة في تفسيره عن ابن عباس أنه قال لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا وأقول لا يخفى على ناظر أنه لا دلالة في هذا الأثر ولا رائحة دلالة على المدعى من فناء النار بل غاية ما يفيده الإخبار عن أنه لا يجزم للمؤمن أنه من أهل الجنة ولا العاصى من عصاة المؤمنين أنه من أهل النار وهذا المعنى ثابت في الأحاديث النبوية الصحيحة إن أبا سعيد الخدري نقل عنه القول بفناء النار فإنه استدل لذلك بأنه قال أبو نضرة عن أبى سعيد أو قال جابر أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتت هذه الآية على القرآن كله إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد هود 107 وأقول أولا هذا الأثر نسبه الحافظ السيوطي في الدر ! المنثور إلى تخريج عبد الرزاق وابن الشريس أبو وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفت ولفظه عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد أو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه انتهى وقد نقل ابن تيمية هذه الرواية أيضا ونسبها إلى تخريج ابن جرير أيضا ولا يخفى أولا أنه شك أبو نضرة في قائل هذا القول وردده بين ثلاثة معلومين ومجهول وهذا الشك وإن كان انتقالا من ثقة إلى ثقة على رأي من يقول كل الصحابة عدول غير ضائر في الرواية إلا أنه لا يصح معه الجزم بنسبة القول بفناء النار إلى أبي أنه قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيه أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا وأقول هذا الأثر لا دلالة فيه على مدعى ابن تيمية لأنه لا يقول إن جهنم تخلو عن الكفار ما دامت باقية إنما يقول إذا فنيت وذهبت لم يبق فيها كافر وهذا الأثر ينادي بخلودها عليه وهي باقية على حالها والقول بأنه سماها جهنم باعتبار ما كانت عليه رجوع إلى المجاز في مسألة هي أكثر من الدنيا بأضعاف مضاعفة فكلام ابن عمرو هذا محمول على ما حمل عليه كلام عمر بن الخطاب وغيره من الآثار في أن مراده خروج الموحدين
الأثر الثالث
وقد قال عبيد الله بن معاذ في أثر ابن عمرو وأبي هريرة كان أصحابنا يقولون يعني من الموحدين قلت ويدل له ما قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف أن أثر ابن عمرو أخرجه البزار ثم ساقه بسنده إلى ابن عمرو ولفظه في آخره يعني من الموحدين قال الحافظ كذا فيه ويؤيده ما رواه ابن عدي عن أنس مرفوعا ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها وما فيها من أمة محمد أحد وفي الباب عن أبي أمامة رفعه يأتي على جهنم يوم ما فيها من بني آدم أحد تخفق فيه أبوابها يعني من الموحدين انتهى
ونتناول فى هذا الموضع مسألة الخلود فى المصحف:
قالوا أن الخلود يعنى الحياة الطويلة وليس الحياة المستمرة بغير انقطاع
والخلود هو الحياة بلا انقطاع بدليل قوله بسورة الدخان :
"لا يذوقون فيها إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم "
فهنا ليس هناك موت بعد الموتة الأولى وهى السابقة فى الجنة والمراد الموت عند قيام القيامة فى الجنة البرزخية وقوله تعالى بسورة فاطر:
"والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها "
فإذا كان الله لا يقضى على الكفار بالموت فهذا معناه استمرارية حياتهم بلا انقطاع وعدم تخفيف العذاب يعنى استمراريته بلا انقطاع
وقوله بسورة القصص :
"كل شىء هالك إلا وجهه "
فمعناه كل شىء فان إلا جزاء الله
والدليل قوله بسورة النحل :
"ما عندكم ينفد وما عند الله باق "
والذى عند الله هو الجزاء الممثل فى الجنة والنار وعليه فغير الهالك أى الباقى هو الجزاء
وأما قولهم أن لا خلود فى النار للفاسقين فهو افتراء على الله والدليل قوله تعالى بسورة السجدة :
"وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون "
فهنا أهل الفسق كلما أحبوا الخروج من النار ارجعوا لها وهذا يعنى خلودهم
والحق أن الفاسقين هم الكافرون لقوله بسورة البقرة :
"وما يكفر بها إلا الفاسقون "
والمسلمون لا يفزعون من شىء فى الأخرة لقوله بسورة النمل:
"من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ أمنون "
وهذا دليل على أنهم لا يدخلون النار أبدا
وقوله تعالى بسورة مريم:
"فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وأمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا "
فهنا أدخل الله التائبين الجنة رغم كبائرهم ولم يذكر شىء عن دخولهم النار ولو أننا فكرنا كالقوم لوجب دخول الرسل (ص)النار لارتكابهم الذنوب فنوح(ص)طلب من الله إدخال ابنه الجنة وهو كافر وهذا عصيان وموسى (ص)قتل إنسان ومحمد (ص)قال الله له بسورة الفتح:
"ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "
إذا فطبقا للقوم فكل البشر لابد من دخولهم النار وهو ما يتعارض مع القرآن ولو أتينا لقولهم المزعوم سنجد القول :
"ولكن ناس أصابتهم بذنوبهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجىء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة "
يتعارض مع القرآن على أشياء كثيرة منها أن لا موت بعد يوم القيامة فى النار لقوله بسورة فاطر :
"والذين كفروا لهم نار جهنم فلا يقضى عليهم فيموتوا "
وفى الجنة قال بسورة الأحقاف:
"لا يذوقون فيها إلا الموتة الأولى "
وقال الكفار بسورة غافر :
"ربنا وأمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين"
وهذا يعنى أن عدد الحيوات اثنين قبل القيامة وعدد الموتات اثنتين واحدة فى الدنيا وواحدة فى البرزخ عند القيامة – وقول الكفار ليس دليلا ولكنه يوافق ما سبقه -وليس هناك دليل على موتة ثالثة كما أن الشفاعة لا تكون بعد يوم القيامة حيث دخول النار والجنة وإنما تكون فى نفس اليوم لقوله تعالى بسورة طه:
"يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا "
وأما قولهم أن مرتكب الكبيرة يعذب فى نار غير النار التى يعذب فيها الكفار فهو افتراء فلا يوجد فى الوحى حديث إلا عن نار واحدة هى نار جهنم وهى النار الكبرى المذكورة بقوله بسورة الأعلى:
"الذى يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى "
وتفسيرها قوله بسورة فاطر :
"والذين كفروا لهم نار جهنم فلا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم عذابها " فكلمة الكبرى لا تدل على وجود نار صغرى لأن كلمة الكبرى تعنى العظمى المستمرة الخالدة .
وعدم تخفيف العذاب عن الكفار يعنى أن لا نهاية زمنية للنار لأنه فى حالة وجود نهاية فسيتم تخفيفه عنهم وهو ما نفته الآيات الكثير مثل :
قوله تعالى بسورة البقرة:
"أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون"
وقوله تعالى بسورة البقرة:
"خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون "
وقوله تعالى بسورة البقرة
"أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون "
وقوله تعالى بسورة فاطر
"والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها "
وقوله تعالى بسورة النحل
"وإذا رءا الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون"
قوله تعالى بسورة غافر:
"وقال الذين فى النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال
كما أن رد رئيس خزنة النار مالك إنكم ماكثون يعنى البقاء بلا انقطاع وكذلك عدم تفتير العذاب عنهم فى قوله تعالى بسورة الزخرف
" إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون "