زيارة القبور تعنى عند العامة الذهاب للمقابر ذهابا مقصودا بغرض زيارة الموتى
والزيارة فى القرآن أطلقت على دخول الكفار المقابر موتى فى قوله تعالى بسورة التكاثر " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " ومن ثم فزيارة المقابر فى القرآن تعنى الدفن فيها
وفى القرآن نجد أن الله أباح للكفار زيارة القبور بغرض أخذ العبرة مما حدث لهم من العاقبة وهى الهلاك فقال فى عدة سور:
"أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم"
"أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض"
"أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا فى الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق"
؟"أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا فى الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكذبون "
"أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها"
ومن هنا فليس للمؤمنين زيارة القبور لأن الغرض من زيارتها هو معرفة عاقبة الكفار الهالكين وهم يعرفون عاقبتهم من خلال القرآن
كما أن القبور التى تزار فى الآيات هى قبور الكفار وليست قبور المسلمين ونلاحظ أن الزيارة تكون بين متحدين فى الحياة فالغرض من الزيارة هو كلام الطرفين أوتناولهم الطعام والشراب أو الشراب معا وهو ما يسمى المؤانسة والموتى لا يحس بهم الحى لعدم حركتهم كما أنه لا يسمع منهم كلاما وفى هذا قال تعالى بسورة مريم :
"وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحدا أو تسمع لهم ركزا"
ومن ثم فما الفائدة من كلام من لا يسمع ومن لا يتكلم ومن لا يستفيد أو يفيد ؟
وكلام الناس عن إحساس الموتى بهم عند الزيارة هو كلام مجانين فلو أحسوا بهم لحزنوا لأحوالهم السيئة ومن فى الجنة لا يحزنون كما قال تعالى بسورة البقرة " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
والموتى ومنهم الشهداء لا يعرفون شيئا عن حياتنا زرناهم أم لم نزرهم والدليل أنهم يطلبون البشارة بالمسلمين فى الحياة الدنيا فلو كانوا يسمعونهم لعلموا بأنهم على خير أو على شر كما قال تعالى فى سورة آل عمران :
"ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
أن الأماكن المدخولة غير بيوت السكن يجب أن يكون فيها متاع للمؤمنين والمراد منفعة للمسلمين والقبور ليس فيها متاع أى منفعة وفى هذا قال تعالى بسورة النور :
"ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم "
كما أن القبر ليس بيتا للسكن أو بيتا للمتاع وهو النفع العام حتى يتم دخوله والقبر فى الإسلام هو مجرد حفرة يوضع فيها البيت ويغطى بما خرج منها من التراب أو غيره
أن المكان الواجب زيارته فقط فى القرآن هو المسجد الحرام كما قال تعالى بسورة آل عمران :
"ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"
ولم يقل الله زوروا المقابر أو المساجد التى بها قبور فى البلاد المختلفة فزيارة مقابر الموتى ضرب من الجنون يماثل جنون عبادة الأصنام فى كون الموتى لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يضرون ولا ينفعون ولا يعرفون شيئا عمن يزورونهم كما لا تسمع ولا تتكلم ولا تضر ولا تنفع ولا تعرف الأصنام من يعبدها
وأما ما أتى فى كتب الحديث سواء عند الشيعة أو السنة فهو ضرب أخر من التناقض ما بين الأمر بالزيارة والنهى عنها ومن الأحاديث الآمرة بالزيارة :
"زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" أخرجه مسلم في صحيحه
"قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الأخرة "رواه الترمذى
"من حج فزار قبرى بعد موتى كان كمن زارنى فى حياتى"
2045 - أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَبِى فَرْوَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ كَانَ فِى مَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : « إِنِّى كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِى إِلاَّ ثَلاَثًا فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَذَكَرْتُ لَكُمْ أَنْ لاَ تَنْتَبِذُوا فِى الظُّرُوفِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ انْتَبِذُوا فِيمَا رَأَيْتُمْ وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ فَلْيَزُرْ وَلاَ تَقُولُوا هُجْرًا ».سنن النسائى
2043 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ عَنْ أَبِى صَخْرٍ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِى حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ».سنن أبى داود
روى الصدوق بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام): أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (من زارني في حياتي وبعد موتي فقد زار الله تعالى. ...) (عيون أخبار الرضا : 1/115).
روى ابن قولويه بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة) (كامل الزيارات : 12).
وأما الأحاديث الناهية عن الزيارة فمنها :
2044 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِى عِيدًا وَصَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِى حَيْثُ كُنْتُمْ ».سنن أبى داود
"لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" رواه البخاري ومسلم
- روى الشيخ الصدوق والشيخ الحُرّ العاملي صاحب «وسائل الشيعة» أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي قِبْلَةً وَلَا مَسْجِداً فَإِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لَعَنَ الْيَهُودَ حَيْثُ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»
3238 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ. سنن أبى داود
1076 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ.سنن الترمذى
1641 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو بِشْرٍ قَالاَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلاَنِىُّ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِىُّ وَقَبِيصَةُ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زُوَّارَاتِ الْقُبُورِ.سنن ابن ماجة
في ج22 من «بحار الأنوار» للعلامة المجلسي، وفي كُتُبٍ حديثيَّة موثوقة أن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا تشرب وأنت قائم ولا تَطُف بِقَبْرٍ ولا تَبُل في ماء نقيع».
وروى «زيد بن علي بن الحسين» عليهم السلام عن جدِّه علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: «نهى رسول الله عن لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاثة أيام..... ونهانا عن زيارة القبور»
وهذا التناقض يرينا أن الحق هو الموجود فى القرآن وهو أن زيارة القبور من قبل المسلمين منهى عنها يستوى فى ذلك قبر الرسول (ص) بقبور المسلمين الأخرين
ونورد هنا نقدا لبعض أحاديث الزيارة :
"قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الأخرة "رواه الترمذى والخطأ هنا هو التناقض فى القول وهو الإذن للرسول (ص)وحده بزيارة القبر بدليل قوله "فقد أذن لمحمد "ثم تعميم الحكم بقوله "فزوروها "فهنا أباح للكل زيارة القبور مع أن القول الأول أباح له وحده ذلك والخطأ الأخر أن سبب الزيارة التذكير بالآخرة والسؤال الآن وهل كان النهى السابق لأنها لا تذكر بالأخرة ؟إن كانت تذكر الآن فهى تذكر فى السابق والسؤال الأخر وهل لم يؤذن له بزيارة والده وأذن له بزيارة أمه فقط ولماذا؟
"من حج فزار قبرى بعد موتى كان كمن زارنى فى حياتى "والخطأ هنا هو أن زيارة قبر النبى (ص)فى الحج كزيارته فى حياته ويخالف هذا أن زيارة القبر ليست من الحج لأن الحج يكون للبيت فقط مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "ولله على الناس حج البيت " .
82-ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحى حتى أرد عليه السلام وفى رواية لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبرى عيدا وصلوا على فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم "رواه أبو داود والخطأ هنا رد روح النبى (ص)السلام بعد بلوغه إياه ولو سلمنا بهذا القول لكنا مجانين لأن النبى (ص)يصلى عليه المسلمون فى كل يوم ملايين الصلوات وهذا يعنى أن أنه لن يجد دقيقة واحدة لشىء غير رد السلام وهذا ما يخالف التالى أن المسلمين فى الجنة لا يشغلهم شىء سوى التمتع بالنعيم مصداق لقوله تعالى بسورة الزخرف "الذين أمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون "والنبى (ص)لو ظل يرد السلامات فسوف ينشف ريقه ولن يجد أى وقت لراحة للسانه ولا الأكل ولا الشرب ولا غير ذلك من متع الجنة ويتعارض القول مع أقوالهم "إن الله وكل بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم على من أمته "رواه النسائى وقولهم "إن الله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغوننى عن أمتى السلام "رواه ابن حبان والحاكم فهنا الموصل للسلام ملك بقبر النبى (ص)وفى الرواية الثانية ملائكة سياحين فى الأرض بينما فى القول النبى (ص)نفسه هو الذى يبلغه السلام مباشرة دون وسيط .
وقد وجدنا كتابا نافعا عدا القليل منه فى تفنيد إباحة زيارة القبور عامة عند الشيعة والسنة هو كتاب أبو الفضل بن الرضا البُرْقِعِيّ القُمِّي ّ المسمى الخرافات الوافرة فى زيارة القبور وهو عالم شيعى ونورد طرفا مما جاء فى نقده لبعض الأحاديث :
روى المجلسيُّ في كتاب «المزار» من «بحار الأنوار» في باب «زيارة النبيّ وسائر المشاهد في المدينة»(49) [نقلاً عن كتابَي علل الشرائع وعيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق] عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «إذا حجَّ أحدكم فليختم حجَّهُ بزيارتنا لأن ذلك من تمام الحجِّ!»
وهنا نتساءل: أولاً: عندما كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمامُ يحجُّ فإلى زيارة قبر أيِّ إمام كان يذهب؟؟ ولماذا لم يبيِّن الله تعالى في كتابه شرط كمال الحج هذا؟
ثانياً: لم يكن الإمام متكبراً حتى يجعل من زيارة قبره كمالاً للحجِّ خاصَّةً أن الله تعالى يقول: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ﴾ [القصص:83]، ويقول أيضاً: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم:32].
ثالثاً: لو قال الإمام مثل هذا الكلام حقَّاً فإنَّ قصده كان أن يزوره الناس ليستفيدوا من علمه حال حياته، وليس قصده أن يزوروا قبره، ولكن المحدّثين اعتبروا خطأً أن هذا الكلام دليلٌ على وجوب زيارة قبر الإمام!!
هل من الممكن أن يكون أئمة الهدى من آل الرسول عليهم السلام قد علَّمونا تلك الزيارات المملوءة بالغلوّ في حقِّهم والمبالغة في المديح والإطراء إلى حدّ أن ثلاثة مجلدات من «بحار الأنوار» خُصّصت لها، يَدْعُونَ الناس فيها أن يأتوا إلى قبورهم ويخشعوا أمامها ويمجِّدوهم بتلك العبارات المغالية كي يرضوهم فيشفعوا لهم في المحكمة الإلهية؟!
- روى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب «قُرب الإسناد» للحميري] عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من زارني حيَّاً وميِّتاً كنتُ له شفيعاً يوم القيامة»». نفهم من هذا الحديث أنَّ اختيار الشفيع وانتخابه بيد الزوّار، هذا في حين أن الله تعالى جعل اختيار الشفيع حقّاً خالصاً له وسلب عن الخلقِ هذا الحقَّ، وقال بشأن شفاعة الملائكة: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ الله لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم:26]. وقال أيضاً: ﴿ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ:23]
وأضيف قائلاً [في نقد متن هذه الرواية]:
أولاً: لو استحقَّ الإنسان الشفاعة لمجرَّد زيارته لقبر فيجب أن تشمل الشفاعة جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين زاروه حال حياته وجميع الفسّاق والفجّار الذين زاروا قبره فيما بعد وأن يدخل جميعهم الجنة بشفاعته. وبالتالي فإن القرآن والعقاب والحساب ستصبح كلُّها لغواً!!
ثانياً: تُبيِّنُ آياتُ القرآن الكريم، خلافاً لما يتصوَّره عوام الناس، أن الله تعالى لم يعطِ أفراد البشر حتى الأنبياء الإذن المطلق بالشفاعة لمن يريدون، ولا توجد آيةٌ تصرّح بإذن الله المطلق لأحد بأن يشفع لمن يشاء، بل لقد نفى الله الشفاعة [بهذا المعنى] يوم القيامة حتى للمؤمنين إذ قال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ﴾ [البقرة:254].
- وروى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق] روايةً أخرى أن الحسين صلوات الله عليه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «يا أبتاه! ما لمن زارنا؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يا بُنَيَّ مَنْ زَارَني حيَّاً وميِّتَاً، وَمَنْ زَارَ أباك حيَّاً وميِّتَاً وَمَنْ زَارَ أخاكَ حيَّاً وميِّتَاً وَمَنْ زاركَ حيَّاً وميِّتَاً كان حقيقاً عليَّ أنْ أزورَهُ يوم القيامة وأخلِّصه مِنْ ذُنُوبِهِ وأُدْخله الجنة»!(56).
أقول: هذه الرواية تُصَوِّرُ الإمام الحسين عليه السلام وكأنه كان منذ صغره ينتظر زيارة الزائرين ويستفهم عن أجرهم! وتُصَوِّرُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنَّه غفّارٌ للذنوب أو كأن الشفاعة ملك يديه أو يدي أهل بيته، هذا في حين أن القرآن الكريم يبين لنا قول الله تعالى لنبيِّه الكريم -صلوات ربِّي وسلامه عليه وآله-: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله ﴾ [التوبة:80] فالله تعالى ليس تابعاً مطيعاً لرسوله أو لغيره بل الأمر كلُّه بيديه تعالى وحده، وهو الوحيد الذي يملك غفران الذنوب.
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ زَارَ الحسنَ في بَقيعِهِ ثَبَّتَ الله قَدَمَهُ على الصراطِ يومَ تزلُّ فيه الأقدامُ».
أقول: فهل تكفي زيارة الإمام الحسن (ع) حتى تُغفر جميع زلات الإنسان؟ هل هذه الزيارة رشوة لنقض قوانين الله؟ ولماذا يُخَصَّصُ كلُّ هذا الثواب والأجر لزيارة قبر الإمام بعد موته ولا يوجد مثله لمن زار الإمام حال حياته؟!
-وروى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب كامل الزيارة لابن قولويه] عن الإمام الجواد (ع) أنه سُئِلَ: «جُعلتُ فداك! ما لمن زار رسولَ الله صلى الله عليه وآله متعمِّداً؟ قال: له الجنَّة»!. قلت: إذا كان الأمر بهذه البساطة فجميع أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله ومعاصريه زاروه وبالتالي فطبقاً لهذه الرواية يجب أن يدخلوا الجنَّةَ جميعاً، فلماذا إذن تعترضون على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقدحون بهم؟ إلا أن يقول بعضهم إن هذا الأجر والثواب هو لمن زار القبر لا لمن زار رسول الله ذاته صلى الله عليه وآله وسلم. إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ!
- وروى المجلسيُّ في الباب ذاته عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «من زارني غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَمْ يَمُتْ فَقِيْرَاً».
قلتُ: فهل يُحِبُّ الإمامُ زيارةَ الناس له إلى هذه الدرجة التي تجعله يحكم بغفران جميع ذنوب زائره وأن كل من جاء إليه لا يموت إلا غنياً؟!
يقول علماء الاقتصاد إن الوصول إلى الرفاهية وسعة العيش يتطلَّب اتِّباع القوانين الاقتصاديّة الصحيحة والجدّ والنشاط ولكنّ رواة تلك الأحاديث يقولون إن من أراد الغِنَى فعليه أن يذهب لزيارة القبور!! فأيُّ القولين صحيح؟ أترك الحكم في ذلك إلى القارئ!
في رأيي إن أعداء الإسلام أرادوا إضعاف دين الإسلام بأمثال تلك الروايات وأن يُغروا الناس بالمعاصي ويصوِّروا لهم أن زيارة القبر كفيلة بغفران جميع جناياتهم وآثامهم.
- وفي الباب ذاته روايةٌ عن الإمام العسكري عليه السلام قال فيها: «من زار جعفراً وأباه لم يشكو عينه ولم يصبه سقم». فلنا أن نتساءل: لماذا كان الذين يزورون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرونه يمرضون إذن؟ بل عليٌّ عليه السلام ذاته أصابه رمد العين كما مرض عددٌ من المهاجرين في سبيل الله من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عندما وصلوا إلى المدينة وأصابتهم الحمّة. فكيف لا يمرض زائرُ قبر حفيد حفيد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم؟! إن هذا الحديث مخالفٌ لكتاب الله وللعقل السليم. وروايات هذا الباب أغلبها من هذا القبيل. فاقرأ أنت الحديث المفصّل من هذا الكلام المجمل.
- أورد المجلسيُّ في هذا الباب رواياتٍ فيها دعوة الزائرين إلى تقبيل عامود التوبة وعامود حنانة ومنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن يمسحوا أعينهم بها، وأن يزوروا مقام جبريل والميزاب الذي كان فوق رأس جبريل.. الخ. ولنا أن نتساءل: هل تلك العواميد ومنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزال موجودة بعينها الآن؟ ألم يكن المجلسيُّ أو رواةُ حديثه يعلمون أن تلك الأعمدة والمنبر قد اندثرت منذ مئات السنين؟!
- وذكر المجلسيُّ في هذا الباب أدعيةً مفادها أن يقول زائر قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وقوفه أمام قبره وقراءته ألفاظ الزيارة وما فيها من عبارات الغلوّ في الإطراء والتمجيد - في آخر كلامه: «اللهمَّ إنَّكَ قُلْتَ: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله وَاسْتَغْفَرَ لَـهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ الله تَوَّابًا رَّحِيمًا. وإنِّي أتَيْتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِرَاً تَائِبَاً مِنْ ذُنُوبِي...الخ».
فنسأل: هل يجب على كلّ مذنب عاصٍ أن يذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجل غفران ذنوبه كما يفعل النصارى عندما يذهبون إلى قسِّيسيهم ويعترفون بذنوبهم لتُغفر لهم؟ أليس هذا نوعٌ من اللعب بآيات القرآن والتحريف المعنوي لها؟
إن الله تعالى لم يقل أبداً إن كلَّ من أذنب عليه أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والآية التي ذُكرت في الرواية لا علاقة لها بذلك الموضوع، لأن سياقها الكامل كالتالي: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء:64-65]
إن دين الإسلام ليس كالمسيحية في دعوته كل من ارتكب ذنباً أن يذهب إلى مخلوق مثله فضلاً عن أن يذهب إلى قبر مخلوق، ويطلب منه غفران ذنبه
وينقل المجلسيّ في «البحار»، باب «زيارة النبيِّ من قريب»، الحديث رقم (41) بدون سند عن ابن طاووس والشيخ المفيد وفيه: «إذا وردتَ مدينةَ النبيِّ صلى الله عليه وآله فاغتسل للزيارة...(إلى قوله عن كيفية الزيارة): يمشي إلى الحجرة فإذا وصلها استلمها وقبَّلها وقال: السلام عليك يا رسول الله...» إلى آخر الرواية المليئة بجمل الغلوّ في إطراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمبالغات في مديحه، ونتساءل هل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كسائر الناس يسرّ من تجاوز الحدّ في مدحه وإطرائه؟ وهل يطلع صلى الله عليه وآله وسلم - كالله تعالى- على أحوال جميع الناس والزوّار ويسمع ثناءهم وتمجيدهم له أم لا؟
- ويروي المجلسيّ في الباب الأخير ذاته روايةً أخرى تقول: إنَّ على الحاجّ أن يذهب إلى المدينة ويزور قبور الشهداء و... ويزور بيت علي بن أبي طالب ودار جعفر بن محمد عليهما السلام ثم يقرأ نصّ الزيارة -التي لا سند لها- التي أوردها الشيخ المفيد وابن طاووس. ولنا أن نسأل: هل بيت علي بن أبي طالب (ع) ودار جعفر (ع) لا تزال موجودة؟ هل لأولئك السادة العلماء الحق في وضع زيارات؟ لقد جمع المجلسيّ في هذا الباب وأبواب أخرى كل دعاء وصلاة كتبها أي عابد أو شيخ وجعل العمل بها أمراً مشروعاً ومستحباً! فهل لغير الله أن يشرع «عبادات»؟!
- أوصت الزهراء عليها السلام علياً عليه السلام أن يخفي قبرها، ولكن المجلسيّ وبعض المحدثين حاولوا في كتبهم جعل قبرها معلوماً محدداً، لكن لما لم يكن موضع قبرها معروفاً اخترعوا قراءة زيارات متعددة في أمكنة متعددة!!
ينقل المجلسيّ عن «الكافي» أن الإمام الصادق (ع) سُئِلَ: «الصلاة في بيت فاطمة عليها السلام مثل الصلاة في الروضة؟ فقال: وأفضل»(61).
ولنا أن نسأل: هل بيت فاطمة عليها السلام لا يزال موجوداً؟ وكيف تكون الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد وفي بيت الله؟ فلماذا إذن كان أمير المؤمنين (ع) يصلِّي في المسجد ويترك العمل الأرجح والأولى؟ ألا تؤدِّي مثل هذه الروايات إلى التقليل من شأن المساجد وأهمّيّته وإلى عمارة المقابر؟
- وروى المجلسيّ في الباب ذاته [نقلاً عن مصباح الأنوار]: عن أمير المؤمنين عليه السلام عن فاطمة عليها السلام قالت: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة! مَنْ صلَّى عليكِ غفر الله له وألحقه بي حيث كنتُ من الجنة.». فطبقاً لهذه الرواية يجب أن نقول أننا وصلنا إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنكون رفقاءه في الجنة لأننا نقول «صلى الله عليكِ»!!.
كما رووا أنه يجب أن نقول في زيارة فاطمة عليها السلام: «يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرة وزعمنا أنا لك أولياء ومصدقون... فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما [بالدرجة العالية] لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك».
أقول: يا ترى لو أراد شخص أن يفهم معنى هذه الجمل وكيف امتحن الله فاطمة قبل أن يخلقها؟! لربما قيل له: إن الراوي لهذا الحديث هو وحده الذي يعلم معنى هذا الكلام مصداقاً لما يُقال: «المعنى في بطن الشاعر»!
ثم إن اللحاق بالدرجات العالية ليس بيد الزهراء عليها السلام، بل درجة كل شخص رهينة بإيمانه وعمله، اللهم إلا أن تكون جملة أو جملتان من الإطراء والمديح والتملّق كافيتان للحاق بالدرجات العالية!
وبعد فإن زيارة القبور بمعنى الذهاب خصيصا لها والجلوس عندها أو الرقاد بجوارها سواء كان هذا قبر محمد (ص) أو غيره هو أمر حرمه الله .